- Air Force 1 رسالة في عشق جزمة - عن نايكي

af1.jpg

مش فاكر لا مكان ولا زمان أول لقاء ما بيننا ...أعتقد أننا في الأغلب اتقابلنا عن بعد في أوائل الألفينات ... في أوج بدايات عصر الدش ... ما كانش لسه فيه instagram ولا facebook ... التليفزيون كان لسه لا يزال الأب الروحي للتواصل مع العالم ... فاكر شفتك في فيديو كليب علي ميلودي و مزيكا، و اللي كانوا لسه في بداياتهم وقتها ... و لسبب ما محتوي الموسيقي الغربي فيهم كان عالي ...

ده نفس الوقت اللي موسيقي الهيب هوب بدأت تنتشر فيه حولين الدنيا ... بداية الألفينات كانت مرحلة تحول فارقة في تاريخ فن، كان إرتبط حتي تلك اللحظة بثقافة الأفارقة الأمريكان و معاناتهم ... و لم يتعدي ساعتها حدود أمريكا الجغرافية، بالشكل اللي حصل لأنواع الموسيقي التانية. ...

علاقتي الطويلة و الرومانسية بيكي كجزمة إرتبطت بولعي بالراب كمزيكا ... و الباسكت كرياضة .. و الهيب هوب كثقافة .. مش فاكر مين بالضبط كان لابسك أول مرة شفتك ... يمكن Nelly .. أو LL Cool J .. مش فاكر .. بس المهم إني في الوقت ده كنت لسه بستكشف موسيقي متمردة .. و إكتشفتك بالصدفة معاها ..

طفل مصري سيس علي أعتاب المراهقة، متربي في عائلة مصرية ميسورة الحال ، شاف في الراب مبتغاه للتحرر .. للثورة ... شفت ده في كلام الراب الحقيقي، اللي كان في أحيان كتير جارح و ذكوري، بس في نفس الوقت كاشف لصراعات بشر معرفش عنها أي حاجة ... في نبض البيت الثابت في مكانه و اللي كله تحدي صارخ لكل حاجة حوليه .. و في اللبس الواسع اللي كان بيعلن بكل ثقة أنه "حر" من أي قيود مفروضة عليه ..

في السياق ده بقي AirForce ما كانتش مجرد جزمة بشوف نجوم الهيب هوب لابسينها ... AirForce كانت بتمثلي حلقة وصل بين عالمين .. بين عالم موجود في مخي بسمعه في ودني، و إللي الWalkMan كان بوابتي ليه ... و بين شارع بمشي عليه، و حياة مرتاحة مش عاكسة بالمرة لعالم كله صراعات مع الفقر و معاناة مع عنف الدولة بأشكاله ...

فاكر لما كنت بتحايل علي أبويا يجيبك ... أصلك طول عمرك غالية بمقاييس بلدنا يا "غالية" ... و ياما أهلي حذرونى منك .. "إوعي تجيب جزمة بيضة .. بلدنا تراب و هتتوسخ من لبسة واحدة" ...

يمكن جزء من حبي ليكي كان لونك الأبيض و كل المعاني اللي وراه .. يمكن كنت عايز ألبسك علشان مثلتي تمرد علي إرادة أهلي، و اللي بطبيعة الحال كان شغلي الشاغل في السن ده ... بل و تمرد علي تراب القاهرة بذات نفسه .. بكل غباوته و جبروته ..

بس بالرغم من كل ده، قد إيه كانت كلمة "مبروك عالأرض" بتحز في نفسيتي .. لما واحد من صحابي ينزل بكل القذارة اللي في رجليه و يعلم عليكي .. قد إيه كنت مرعوب و بحاول أحميكي من أي مكروه .. ياما نزلت علي ركبي علشان أمسح أي خربوش أو وساخة .. لدرجة أني لغاية النهاردة بقفش نفسي و أنا بحط صباعي في بقي علشان أمسح حكة الرصيف من عليكي ...

بس كبرت ...

و بقيت بحبك متوسخة شوية .. ملبوسة و مدعوكة في ديك أم الدنيا ...

يمكن حبي للوساخة كان عاكس لنضج إنسان حاول يواجه نفسه في المراية .. و يشوف وساخته .. يتصالح مع جزء منها و يغير الجزء التاني ...

بدأت أشوفك علي حقيقتك ...

و بسبب ده علاقتنا تعقدت .. و كشفتيلي مع الوقت عن حقيقة مواقفنا المركبة.. و تداخل هوياتنا ...

مثلا، إزاي مثلتي بالنسبة لي طوق نجاة في بحر توهان المراهقة ... طوق علي شكل هوية أتشبث بيه.. علي شكل ثقافة عرق مضطهد بتبعد عني آلاف الكيلومترات ... و سخرية القدر بتكمن في إن الهيمنة الرأس مالية الأمريكية البيضاء علي لغتي و عقلي و تفكيري، هي اللي ساعدتني استكشف ثقافة أقلية قمعت من نفس قوي الهيمنة ديه ..

ثقافة إستمتعت و ما زلت بستمتع بيها ، و بحاول ألاقي طرق للتعامل مع ذكوريتها الفجة و تسليعها للمرأة .. اللي أكيد أكيد أثروا علي أفكاري و أنا بكبر ...

ساعدتيني أشوف الرابط المشترك بين معاناة البشر في مصر و أمريكا ... فاكر مثلا لما عرفت إن الجزمة البيضا في عرف ثقافة الأفارقة الأمريكان لازم دايما تفضل نضيفة .. فتعكس عدم الاحتياج لتوسيخها ، أو علشان تثبت القدرة علي شراء غيرها في أي وقت ... و هي ممارسة مرتبطة في الأصل بتاريخ العبودية و الاحتياج لإثبات البعد عن الفقر المتوارث ..

أنتي اللي خلتينى أشوف التقارب الشديد بين نضافة الجزمة النايكي و تطويل ظافر الخنصر (صباع اليد الصغير) في مصر .. و قد إيه ده بيعكس إنتماء لطبقة إجتماعية قادرة إنها ماتشتغلش في مهن توسخ فيها إيديها ..

علمتيني إن العالم معقد و مركب ... إن إزاي بالرغم من كون نايكي مملوكة لواحد أبيض، و إن مصممك راجل أبيض، تحولتي لرمز ثقافة مضادة ... إزاي بقيتي بتمثلي ثقافة شباب مدينة بالتيمور الأسود الفقير، اللي من عشقهم للعبة كرة السلة، حبوكي ... اللعبة اللي مثلت فرصة ليهم إنهم يخرجوا من تحت براثن الفقر .. و شافوا في لعيبتها قدوة شبههم ... فبقيتي مش بس رمز للعبة .. رمز لثقافة بحالها.

و إزاي مع تحولك لرمز، النظام عرف يستغلك و يعمل من وراكي مليارات بأنه يلبسك لكل رموز الثقافة ديه من مغنيين و لعيبة .. فحولك جزئيا لجماليات هشة بتعمق الفجوة الطبقية و العنصرية، بدل ما تحاربها .. جزمة بيشتريها السود، فتكسب مستثمرين مليارديرات بيض في البورصة ، و اللي بدورهم بيصوتوا لأحزاب عمرها ما هتعلي الضرايب علي نفس الشركة، حتي لو الضرايب ديه هي اللي هتحسن من مستوي معيشة نفس السود اللي بيشتروها ... ولا هتصوت علي تقليل تمويل الحكومة لشرطة بتتفنن كل يوم في قتل أصحاب البشرة السمراء ...

بس أنتي في نفس الوقت اللي حببتنيي في ثقافة الأفارقة الأمريكان، و خلتيني متيم بنضالهم و تاريخهم ... بدونك عمري ما كنت هتسحل مع مالكولم اكس، ولا مع هيوي نيوتن و تاريخ البلاك بانثرز ... أو علي الأقل كتبتي أكتر من سطر في حكاية رغبتي و شغفي في نزول مظاهرات Black Lives Matter أول ما جيت أمريكا ....

علمتيني إن رمزية الشيء نسبية ... مرتبطة بمين لابسك و فين و إزاي .. و إن معناكي في رجل واحد مصري في مصر، غير معناكي في رجل واحد أبيض في أمريكا ... معناكي في النادي، غير في المدرسة، غير في الشارع ..

و لما عرفت يعني إيه إنك بتتصنعي علي إيد عمال بيتدفعلهم ملاليم في جنوب شرق آسيا ... واجهتيني بضعفي في كل مرة بروح أشتريكي فيها .. علشان بحبك .. و بحب كل ذكري مرتبطة بيكي .. و إزاي بستغل رمزيتك في الفصل كمدرس بدون أي خجل، فيتفاعل معايا الطلبة علشان بلبس زيهن ... أو بستغل بشكل ضمني رغبتهم في إنهم نفسهم يلبسوا زيي، بس مش قادرين ... بكل ما يحمله الموضوع من إرهاصات فرويدوية و طبقية ... و استمرار لفخ الأنماط الاستهلاكية اللي وقعت فيها و ما زلت ...

عايز أقول لك شكراعلي تعقيدك لمعاني كتير ساعات بتبان كأنها عايشة لوحدها في فراغ الكلمات ... شكرا إنك إديتيهم معني و ربطتيهم ببعض ...

كلمات زي المنظومة و الثقافة و الاستعمار و الرأس مالية و التأثير و غيرها كتير ..

و بالأخص شكرا علي تعقيدك لمعني التواطؤ ..

لأن أغلبنا متواطئ .. بس بدرجات متفاوتة