" مصر ما فيهاش أمل يا ميستر"
الطالب قالهالي، قبل ما جرس الحصة يضرب بدقيقتين ...
بصراحة ماستغربتش ...
بس خفت ..
هل طبيعي إن الكلام ده يتقال من أطفال المفروض لسه عندهم مساحة و فرصة تخيل عالم جديد؟
بحب أصدق إن التعليم فكرته الأساسية هي تخيل عالم مختلف عن الواقع المعاش بتاعنا. مش بيكمله، ولا بيجمله .. لأ هدفه الأصلي هو إنه يحلم .. لازم يتخيل بلا هوادة بلد بشجر و حرية و فن و فلوس كتيير لكل الناس .. و بعد الانغماس في رسم الصورة ييجي دور سؤال: إزاي ممكن نوصل للحلم ده؟. كلمة الطالب خوفتني لأن دايما المراهقين بطبعهم ثوريين .. عايزين يغيروا، عايزين حرية أكبر .. و ديه أحلي حاجة فيهم ..
فلما يكون أقصي طموح لشاب صغير عنده ١٥ سنة إنه يتخرج و يتعين في شركة حلوة - لأن أي حاجة تانية ما منهاش فايدة - يبقي فيه حاجة غريبة .. المفروض ديه أحلام الهيمنة و الخضوع بتاعت العشرينيات علي الأقل ...خمستاشر ده السن بتاع عايزين نلعب fornite صبح و ليل .. ما ليه لأ، لو فيه أكل يكفينا كلنا، و تلفزيونات تكفينا كلنا ...
و ده كمان السن بتاع عايزين دنيا من غير تحرش .. دنيا من غير إمتحانات .. خمستاشر ده السن بتاع نغير العالم!
المدارس اللي بجد، هي اللي تحاول تخلق حوار حولين الأحلام اللي بتناقض الشارع و البيت .. و تدي مساحة إنها تتحقق .. حتي لو علي أضيق نطاق، اللي هو نطاق المدرسة نفسها.
للأسف هي ديه أكتر حاجة الأنظمة المتوالية في مصر نجحت في بثها من خلال منظومة التعليم القايمة. عرفت تخلي طموح الفرد يتمحور حولين ال "أنا" و اللي بيبدأ تشكيله من اللحظة اللي بنخش فيها المدرسة. في الممارسات و المناهج اللي فيها إحتكار تام للأنا لأي علاقة بيننا و بين المجتمع اللي حولينا. " أنا لازم أدخل عيالي أحسن مدرسة" ... "أنا لازم أجيب مجموع عالي في ثانوية عامة" .. "أنا لازم أحجز أول مكان في السنتر علشان أعرف أجيب مجموع" .. أهمية المدرسة و السنتر في الحالة ديه بتكمن في إنه مصغر لعالم أكبر ... عالم الأنا و بس. و حدود الإحنا بتاعته هي العيلة و الصحاب...
حتي محاولات الخروج بره "الأنا" في المدارس الخاصة مثلا، بينحصر أغلبها في اللي باولو فريري بيسميه " الكرم الزائف". الكرم بتاع يلا نوزع بطاطين الشتا علشان نحارب الفقر الكخه الوحش، بدون الانخراط في أسئلة حقيقية حولين طبيعة الفقر ده و مسببات بيات الناس سقعانة في الصعيد. ده حتي طرحنا للتاريخ في المناهج - فكله مرتبط بقصص الأنا ، مش بقصص "الإحنا" ... متلجم في شخصيات في حد ذاتها .. فالثورة العرابية بقت بتاعت عرابي، و ثورة ١٩ بتاعت سعد زغلول .. فمش بندرس تاريخ الجماهير و قصص المغمورين .. و بقي تاريخ الشخص بيعرف تاريخ المجموعة، بدل العكس .. فبقينا بندرس تاريخه ... مش تاريخ"نا"
تبعات ده بقي إن أي محاولة لخلق قصة جديدة، للأسف منتهية من قبل ما تبدأ. أصل القصص الجديدة محتاجة "إحنا" علشان تتكتب و يكون ليها معني .. محتاجة تخيل لعلاقات جديدة بيننا و بين بعض. و ده المفروض يكون دور أي محاولة جادة للاشتباك مع التعليم في البلد ... خلق علاقة صحية بين "الأنا" و "الإحنا".
فالمرة الجاية اللي تشوفوا فيها صور إفتتاح جامعة أو مدرسة جديدة، إسألوا نفسكم،
هل ديه محاولة بجد لكتابة قصة جديدة؟ قصة فيها حرية تخيل الإحنا؟
ولا إعادة نشر لقصة خيبانة قديمة بغلاف جديد للأنا ؟