عن فرانكو و ثورة مدرسِّي كتالونيا
و طبعا، نظام فرانكو شاف في التعليم فرصة لترسيخ أفكاره في أجيال أسبانيا اللي هتكون ... بالنسبة له، ده كان أسرع طريق علشان يخلق أسبانيا ليها شكل واحد، و تاريخ واحد، و لغة واحدة ... تطغي بيهم علي الباقي ...
بس في الواقع، فلسفته ديه ماكانتش عاكسة لحقيقة بلد فيها أعراق عديدة، بتاريخ و ثقافات إختلفت عن أغلبية سكان أسبانيا (القشتلانيين) ... فجرم مثلا إستعمال لغات الكتلان و الباسك و الجاليكية في المدارس و الكتب ..
إهتمام فرانكو المنصب علي خلق شكل واحد للمجتمع "الإسباني" ، خلاه كمان يفرض أفكاره المحافظة في المناهج ... فرسخ لإن الست مكانها في البيت .. و أن الكاثوليكية لازم يكون ليها دور محوري في المجتمع ... و أرخ بأن إضرابات العمال جريمة في حق الوطن و أن المشاركين فيها خونة ...
الشعوب المقهورة في التاريخ لسبب ما بتعرف دايماً تكارك ... بتقدر تقوم بسرعة علي رجلها ... يمكن علشان كده الشمال الكتالوني المهزوم في الحرب الأهلية الإسبانية قدر يتعافى بسرعة ... و حاول يقدم حلول للتعامل مع نظام فرانكو، اللي كان مصَّر علي محو هويته و قصته ...
تمارا جروفز في كتابها "teachers and the struggle for democracy in Spain” بتتكلم عن إشتباك المدرسين الكتلان في الخمسينيات مع قضية التعليم تحت حكم فرانكو ... أغرب ما في الأمر بالنسبة لي ، كون أغلب المدرسين دول من مدارس خاصة ... جروفز بترجع ده، للحرية النسبية اللي كانت عند المدارس الخاصة، و فرصتها في أنها تناور بعيد عن سيطرة فرانكو علي مدارس الحكومة ...
ساعتها واجهوا معضلة إن نظام فرانكو قلل جداً من كفاءة المدرسين، اللي كل أساليبهم تمحورت حولين التلقين ... ما كانش فيه أي مدرسين يقدروا يطبقوا أفكارهم التقدمية، اللي مركزت التعليم حولين الأطفال و إهتماماتهم ..
فعلشان يحلوا المشكلة ديه، بدءوا في تقديم ورش صيفية تحسن من أدوات المعلمين .. واحدة واحدة لقوا إن الورش اللي بدأت بخمستاشر حد سنة ١٩٦٥ ، بقي بيحضرها حوالي ١٢٥٠ مدرس و مدرسة بعدها بتلات سنين بس ... و الحضور ما كانوش محصورين في إقليم كتالونيا، بل كانوا بيحضروا من مختلف أنحاء أسبانيا ...
و لما حبوا يختاروا إسم للحركة سموها حركة "روزا سنسات" .. إختيارهم لروزا كان إنعكاس لانتماءهم .. روزا المدرسة الكتالونية اللي طالما حرصت علي إحياء الثقافة الكتالونية قبل الحرب الأهلية .. و عملت أول مدرسة في الهواء الطلق .. و شجعت التعليم الحر .. دائماً و أبدا ...
الورش ديه كانت بتحاول تعَرَّف المدرسين علي أفكار التعليم "الجديدة" .. و تخليهم يتقبلوا تعبير الطلبة عن أفكارهم بالفن و الموسيقي ...
بس الأهم، هو إن مصممي الورش كانوا مدركين إن لحظة التحول الديمقراطي جاية لا محالة ..
وًده بحكم إن فرانكو كان كبر و مريض، و في آخر أيامه الضغط عليه زاد علشان التغيير يحصل .. المدرسين كانوا مدركين مسؤولية تحضير الطلبة للديمقراطية ... علشان يكون عندهم الأدوات إنهم في يوم ما يحكموا نفسهم .. و علشان ما يقبلوش تاني أبدا إن أي حد يحكمهم بالحديد و النار ...
في الوقت ده ورش "إدارة الفصل" (classroom management) ساعدتهم علي نقل الأفكار ديه للمدرسين ... فشجعوهم يقعدوا مع طلبتهم في دواير تساوي ما بين الكل ... و ده بدل ما يقعدوا في صفوف ورا بعض كلها بتبص علي المدرسين الواقفين في نص الفصل .. فتخلي المدرسين فرانكو في فصولهم... الملاك الوحيدين للسلطة و للعلم ...
دربوا المدرسين كمان علي إعطاء الطلبة الكبار مساحة أنهم يقعدوا في المكان اللي نفسهم فيه .. بدون سيطرة ولا غلاسة ... و وصلت لأنهم مرنوهم علي تقبل حرية الطلبة في أنهم ما يكونوش عايزين يشتغلوا .. و يسيبوا الفصل لو عايزين ... أو إنهم يقسموهم لمجاميع صغيرة تشجع علي التعاون، و تمنع إن أي طالب يستولي علي كل الضوء لأي سبب كان ...
أسبانيا تحولت للديمقراطية سنة ٧٨ ...
و بالرغم من إن لسه قدامها مشوار طويل علشان تحقق المساواة و العدالة الاقتصادية ... و علشان تواجه تراث تاريخها الاستعماري، إلا أن حركة روزا سنسات بتوري إن مساحات التغيير ساعات بتكون موجودة في أكتر الأماكن غرابة ..
مساحة زي المدارس الخاصة - شكلها من برا رأس مالي و بتساهم في الفروقات الطبقية بين الأغنيا و الفقرا - خلقت فرصة نادرة للمدرسين أنهم يساهموا بشكل مباشر في نشر أفكارهم و أساليبهم في أنحاء البلد ... و يغيَّروا
يمكن ما تغيرش لأفضل نسخة ليه... بس علي الأقل اتغير