خواطر عن دور المدرس في منظومة التعليم الجديدة
لو فتحتوا الرابط ده، هتلاقوا "دليل المعلم" لمنهج الرياضيات الجديد و المحدث بتاع سنه أولي إبتدائي ... بصراحة من أول وهلة كده و الكتاب شكله يشرح .. ألوانه حلوه و طرحه حديث. و كلمة "حديث" هنا قصدي بيها أنه بيعتمد علي الأسس الجديدة المتعارف عليها في مجال العلوم التربوية في الدنيا، فبيحتوى علي تفاصيل كتير بتسهل علي أي مدرس/ه المساهمة في عملية تعليم الطلبه. حاجات زي، المهارات اللازم تنميتها بحلول آخر السنه، و أمثلة للأنشطة المستخدمة للتركيز علي كل مهارة فيهم، أو الخريطة الزمنية لتراكم المهارات ديه. و التراكم هنا معناه، القطع المختلفة في بازل puzzle المهارات، اللي الطالب محتاجها علشان يوصل لهدف نهائي متحدد مسبقا. فمثلا، ماينفعش أبدا أي طالبه تتعلم إزاي تطرح، بدون ما تتمكن من أساسيات العد ... الخريطه ديه بقي بكل بساطة "بتفرش" الموضوع كله للمدرس، بحيث إنه يقدر يتابع التطور خطوة بخطوة، و يفهم ممكن يقيمه إمتي.
"أدلة المعلم" بيكون فيها كمان "خطط الحصص" (lesson plans) ... المتعارف عليه، هو أن "خطة الحصة" بتدي إرشادات للمدرس ليها علاقة بمسار و محتوي كل حصة في المنهج، إلا إن في الواقع مافيش أي نموذج عالمي متفق عليه لشكل الإرشادات ديه، أو مدي دقتها و محتواها ... و ده بيخليها من أحسن الطرق اللي ممكن تساعدنا علي فهم الخطوط العريضة لسياسات الدولة (أي دولة) المتعلقة بالتعليم و تنمية المدرسين. الصورة اللي فوق هي مقتطف من خطة حصة موجودة في نفس الدليل في ص ٣٢...
واضح جدا من المثل ده، إن فيه سكريبت مكتوب للمدرس ... و بقرار واعي منها، الوزارة قررت تكرر كل إرشادات الحصص في الدليل علي نفس المنوال ... إرشادات دقيقة جدا و مملة جدا ليها علاقة بالمدرس المفروض يعمل إيه في الفصل بالضبط، بكل تفصيله، صغيرة كانت أو كبيره. و الإختيار الواعي ده مثير جدا للانتباه، لأنه فيه أكتر من شكل كان ممكن إختياره للإرشادات ديه. بالذات إن من أحلي الحاجات في مهنة التدريس هي الحرية المتاحة لتخطيط حصتك، فديه أكتر حاجة بتدغدغ إبداع المدرس و مخه ... فكرة إزاي هخلي المحتوي لذيذ، و إزاي أشجع الطلبة علي إنها تسأل أسئله بناءه عن الموضوع، و إزاي هخاطب إحتياجات كل طالب عندي (واحد بيحب يفرك، و التانيه بتحب المزيكا و التالت عنده عسر قراءه).
إختيار الوزارة بيثير تساؤلات مشروعة عن وجهة نظر الدولة عن دور المدرسين و مهنة التدريس، و عن رؤيتها المستقبلية لتنمية المدرسين عامة ... قد إيه مثلا موضوع السكريبت ده حاجة كويسه أو سلبية؟ و إيه تأثيره علي المدرس في الفصل؟ ... طب أصلا إيه دور المدرس في العملية التعليمية؟ هل هو أداة لتوصيل المعلومة ولا حد فاعل في توصيلها؟ و لو هو حد فاعل، إيه حدود تأثيره علي المنهج؟
بشكل عام، الإتجاه بتاع السيطرة الكاملة علي أفعال المدرس جوا الفصل موجود في دول كتير، منها أمريكا و سنغافورة و الصين، و ليه كذا سبب ... أغلب تفسير، هو إن المدرسين مش مؤهلين كفاية للتعاطي مع هامش كبير من الحرية في التعامل مع الطلبه و المحتوي. و بما أن في أغلب دول الدنيا عدد المدرسين المتاح بيكون أقل من العدد المطلوب لتحقيق نسب متوازنة بين الطلبة و المدرسين، الحكومات بتضطر تخلق برامج قصيره و سريعة - حاجه كده نظام ست شهور و تبقي مدرس - فبيطلعوا غير مؤهلين، بما أنهم ماقضوش وقت كافي، يمكنهم من مهارات التدريس و العلوم التربوية. سبب تاني لقلة التأهيل، هو إن المهنة أصلا مش بتجذب المميزين علشان يلتحقوا بسلكها .. فمن أول الجامعة، أغلب كليات التربية في الدنيا متطلباتها أقل من المتوسطة، فبتلاقي اللي دخلها في الآخر دخلها علشان ماكانش فيه حاجة أحسن .. أهي شغلانة بمرتب مضمون و أجازات حلوه. فيطلعلك بقي مدرس ماعندوش صبر عالطلبه ... و مدرسه إتمه ما بتضحكش أبدا علشان فاكره الضحك معناه قلة إحترام ليها، و مدرس تالت كل اللي بيعرف يعمله إنه بيشخط و يزعق عالفاضي و المليان علشان هو كده جامد و مسيطر، و هكذا ...
و لو لا قدر الله دخل المهنة حد قلبه عليها، فالمرتبات الضعيفة جدا، بتأثر علي معنويات المدرسين و نمط حياتهم، فبتخلي منهم اللي يعتمد علي الدروس الخصوصية كمصدر موازي و أكبر للدخل (زي في مصر)، أو بيسيبوا المهنة بعد كام سنة ( في أمريكا مثلا، ٤٤% من المدرسين الجدد بيستقيلوا في خلال ٥ سنين). و المرتبات ديه في كتير من الأحيان، بتعكس أولويات الصرف في الدول .. فالدولة اللي أصلا مش مقدرة قيمة مدرسينها و كم المجهود المبذول في مهنتهم، عمرها ما هتختار تدلعهم. النقطه بقي، إن المدرسين اللي بيحبوا المهنة، بيقدروا جدا لو عندهم هامش من الحرية جوا الفصل، لأنه في أحيان كتير بيكون الحاجة الوحيدة اللي مصبراهم علي كل العوامل التانيه.
و بصراحة، قادر أفهم إن ده تكتيك الوزارة النهاردة في التعامل مع معضلة كفاءة المدرسين. ما هو علشان أجدد المنهج و أستنى العينة المثالية اللي أنا عايزها من المدرسين، الموضوع هياخد وقت طويل أوي، فمش مشكلة ادي بعضهم تعليمات حرفية للوقت الحالي ... و في الآخر "دليل المعلم" هو دليل زي ما الإسم بيدل بالضبط، فاللي عايز يطبقه يتفضل، و اللي مش عايز، ممكن يستخدمه كإطار عام.
طب إيه نظام المدي الطويل؟ يعني يا تري يا هل تري، الدولة عايزة فعلا مدرس فاعل قادر يفكر لواحده و لو بعد عشرين سنه؟
الرد الطبيعي و المنطقي علي السؤال ده هو "آه طبعا"، ليه البلد ما تكنش عايزه مدرس شاطر، يصلح من المنظومة هو كمان. بس للأسف الإجابة أعقد من كده حبتين. علاقة أي دولة بمدرسينها، هي علاقة بيشوبها التوتر المستمر، لأن المدرسين هم أول حلقة في التواصل مع جيل جديد طالع. و بالتالي إحكام السيطره علي المدرس و علي المنهج اللي بيدرسه، معناه التحكم في عقول الجيل ده. ناس كتير ممكن ترد و تقول إن كده كده المعلومة متاحه للكل، فبالتالي دور المدرسين بيقل مع تطور التكنولوجيا، بس السؤال هل ده دور المدرسين فعلا. هل المدرسه دورها إنها تبقي زيها زي الكمبيوتر بتدي المعلومة إللي في الكتاب؟ ولا دورها إنها تشوف إيه الحاجات اللي بتميز فصلها، فتخلق حصة تناسبهم و تطلع جيل بيحب يتعلم، بيسأل الأسئلة الصح و في الآخر يبقي قادر يستخدم نفس التكنولوجيا في أنه يعلم نفسه بنفسه؟
و لو علي التكنولوجيا فهي فعلا متاحة للجميع، بس دور المدرس هو إن الطالب ميطلعش مثلا بيشير أي معلومة تقابله علي فيسبوك كده بدون تدقيق. فيعلمه إزاي يستقي مصادره من خلال التكنولوجيا ديه، و إزاي يقيمها و إزاي يستسيغ النص، و إزاي يسأل أسئله نقدية. و المدرسه الفاعله المفكره، هتفتح نقاش حولين وحدة التاريخ إللي الدولة حطاها علشان يتعلموا إن مافيش حاجة إسمها مسلمات، و الطلبة بتوعها هيقروا أدب من بره المنهج علشان تفتحلهم دماغهم، و هتحاول تاخد وحدة الطاقة في مادة الفيزياء و تخليهم يعملوا خلية شمسية صغيرة، يستخدموها في البيت.
أي محاولة إصلاح في التعليم محمودة و كويسة، لأن أي حاجة بتحصل هتكون خطوه للأحسن. بس لو الهدف في الآخر مدرس بيفكر، فأكيد أكيد فرض سكريبتات بتلجم المدرس في حصصه آخر طريق لده.
فكرت شويتين حلوين قبل ما أكتب بوست عن محاولات إصلاح التعليم في بلدنا ... و الأسباب لده متداخلة و معقدة. من ناحية، فكرة إني مش علي دراية بكل جوانب الموضوع الإدارية، بتصعب جدا من قدرتي علي تقييم الموضوع بحيادية، علشان بكل بساطه "اللي إيده في الميه، مش زي اللي إيده في النار". فممكن قلة إدراكي لتعقيدات التفاصيل، يخليني أقلل بدون قصد من كم الجهد المبذول في حالة النقد. من ناحية تانية، فيه قناعة مترسخة جوايا، إن أي شغل إيجابي بيحصل في مجال التعليم هو حاجة حلوة، حتي لو هيؤدي لتغيير طفيف جدا. طبعا موضوع "إيجابيته" ده نسبي و هيختلف تقييمه من واحد للتاني، إلا إني مش عايز البوست يتاخد علي أنه هجوم عالفاضي و المليان، علي قد ما إنه محاولة للتفاعل بشكل نقدي مع حاجة بتمس حياتنا الشخصية بطريقة مباشرة.