أوول انجلش … أوول ذا تايم - عن صراع الهوية في المدارس الدولية

لم تفاجئني نبرة الناظرة الغاضبة، بعدما باغتتنى أثناء تدريسي التاريخ لأحد فصول الثانوي ... فقد قبضت علي متلبسا و أنا أتحدث المصرية العامية في حصة، كان من المفترض أن تقتصر لغة التدريس فيها علي الإنجليزية ... صراحة، لا أتذكر تفاصيل الموقف، ولا موضوع الحصة .. كل ما أتذكره هو قراري يومها بإختيار الصمت، لأنني كنت في غني تام عن أي مشاكل مع رئيستي في وظيفة، لم يتعدي عمرها سوي أشهر قليلة ... خاصة و أن خبرتي في مجال التعليم كانت محدودة حينها، مما أجبرني علي تقبل قاعدة "All English, all the time" المعتادة بين المدارس الدولية في بلادنا، لكونها تضمن جزئيا تمكين الطلبة من اللغة الثانية التي يفترض إتقانها بحلول إنتهاء رحلتهم الدراسية. و بالرغم من تجاوزي لتوبيخها يومها، إلا أنني تركت مقابتلنا و أنا علي يقين تام بأن إيصالي للمعلومة كانت ستقل فاعليته بالإنجليزية، نظرا لقدرتي علي نقل المحتوي بإحساس أعمق بالعامية.

تذكرت تلك اللقطة مؤخرا ... و تذكرت معها مدي تعقيد علاقتي مع اللغة الإنجليزية. فلسبب ما، لم تداعب الإنجليزية أبدا لساني بتلقائية، فوجد دوما حاجزا بيني و بين إستخدامي لها في محادثاتي مع أقران، كانوا يرطنونها بطلاقة. هذا بالرغم من التحاقي بمدارس دولية و لغات منذ الصغر .... قد تعود عدم أريحيتي تلك، لكون العامية لغة التحدث الأساسية في منزلي و مع أصدقائي .. و قد تعود إلي عدم ثقة في لهجة تبيح بأن الإنجليزية ليست لغتي الأم .. لكنني بالطبع لم أكن الوحيد الذي واجه تلك المشكلة ... بل و في الأغلب، الكثير من طلبتي يواجهون نفس العوائق مع الإنجليزية أثناء تدريسي لهم يوميا ... و هنا تجتاح عقلي العديد من الأسئلة .. فهل مثل فرض الإنجليزية في تلك الحالة عائقا بين الطلبة و بين فهمهم المحتوي (التاريخ في تلك الحالة)؟ أليست اللغة في نهاية المطاف أداة لتحقيق غرض التواصل و الفهم؟ و في جميع الحالات هل يؤثر خلط اللغات علي إتقان لغة بعينها؟ و إن تقبلنا أن اللغة ليست مجرد أداة، بل بوابة للانفتاح علي عالم آخر من القيم و الثقافة و الرأي، فهل لهذا الخلط تبعات علي هويات الطلبة؟

لسبب ما يري الكثيرون منا تعارضا عميقا و طبيعيا بين الهويات "الغربية" و الهويات "الشرقية" .. و هو إيمان نابع في الواقع من فكرة أن القيم "الأوروبية" لا تتسق في مجملها مع قيمنا "الشرقية". و بغض النظر عن صحة تلك الرؤية من عدمها، فقد نقل ذلك التناحر بشكل غير إرادي في بدايات القرن الماضي إلي مجال إكتساب اللغات الثانية ... فراجت صورة مغلوطة عند غالبيتنا العظمي ... صورة تتلخص في نظرية تسمي بال “balance theory”، تؤمن بوجود "خناقة" أزلية داخل المخ بين اللغات، و كأن المخ كوب فارغ و محدود، له حد أقصي من اللغات التي من الممكن ملئه بها. فإن تعلمنا الإنجليزية، ستفرض نفسها لتطغي علي مساحة العربية في المخ أو العكس.

إلا إن الواقع يناقض ذلك التخيل تماما، و هو ما دحضته لاحقا نظرية كمنز (common underlying proficiency) ... كمنز توصل إلي أن عقولنا تستخدم موسوعتها اللغوية كلها بانسيابية بين اللغات أثناء التفكير ... و السبب بكل بساطة هو أن أنماط التفكير بداخل عقولنا واحدة، لا تتغير مع تغير اللغة .. فنحن لا نملك صندوق يفتح خصيصا عند تحدث الإنجليزية و آخر نستخدمه للعربية .. فاللغة عند ثنائيي اللغة أشبه بالوعاء الكبير، الذي تخرج منه قمتي جبلين، واحد لكل لغة يتحدثها المرء .. ظاهريا قد تبدو كل لغة مختلفة عن نظيرتها، إلا أنهما في الواقع يتشاركا نفس أصول التعامل مع اللغة.. و الدليل هو ما أظهرته الأبحاث حول التأثير الإيجابي لكفاءة الأطفال في لغتهم الأم، علي قوة إتقانهم للغتهم الثانية. فالقدرة علي إستيعاب المفاهيم و التعبير عنها باللغة الأم، تساعد علي نقلها بسهولة للغة الثانية. و انسيابية إدراكنا اللغوي هذا، من الممكن ملاحظته أيضا، عند محاولتنا لتذكر كلمات عربية في بعض الأحيان عن طريق معرفتنا بمعانيها في الإنجليزية، و ذلك لتوصيل فكرة باللغة العربية في الأصل!

حتي الأطفال، فلديهم القدرة علي تعلم أكثر من لغة منذ لحظة ولادتهم. فالرضيع مثلا، يستطيع التفريق بين صوت أمه و أي صوت آخر، و بحلول عيد ميلاده الأول ينجح في النطق باللغتين .. و قد يتباين بالطبع التمكن اللغوي بين كل لغة و الأخري، و هو ما يرتبط بعوامل داخلية لها علاقة بشخصية الطفل و قدراته (خجول أم إجتماعي )، و أخري خارجية مرتبطة بالأهل و البيئة من حوله ... و ما زال النقاش دائرا حول السن الأنسب لاكتساب أي لغة ثانية، فالكثير من الأبحاث تدعي أنه يقع بين أربع و ثمان سنوات. إلا أن المؤكد هو انحصار فترة إكتساب اللغة الثانية بطلاقة بين لحظة الولادة و سن البلوغ ... و بغض النظر عن الرقم، فالتوافق العام يزعم أن تعلم أكثر من لغة، ينمي أنواع الذكاء المختلفة عند الطفل. و لا يهم إطلاقا إن حدث ذلك في المنزل إن تواجدت فيه لغتين، أو إن حدث ذلك في المدرسة حيث يتعلم الأطفال لغة مختلفة عن اللغة الموجودة في المنزل. في تلك الحالة إذن، يبدو أن قدرتنا علي تعلم أكثر من لغة فطرية، و أن إيجابياتها طاغية .. فما هي المخاطر التي قد تواجهنا عند تعريض طلبتنا و أطفالنا إلي لغة ثانية؟

في تقديري الشخصي، مصطلحا منقص (subtractive) و مضيف (additive)، يعكسا لب أي فلسفة تعليمية علي علاقة وثيقة باللغة... فالتعليم المنقص، هو التعليم الذي يهدف إلي الأخذ من اللغة الأولي، و إحلال لغة ثانية مكانها، و هو ما يحدث في الأساس بسبب الممارسات التعليمية في المدرسة و البيت، بالرغم من قدرة الطفل الفطرية علي استيعاب أكثر من لغة في نفس الآن. بينما التعليم المضيف يهدف إلي العكس بالضبط .. و اللغة هنا، لا تقتصر علي الكلمات و العبارات، بل تحمل معها بعد الثقافة التي تأتي مع تلك اللغة. فهل الهدف هو أن تمحي ثقافة و تحل أخري مكانها .. أم الهدف هو أن تتجانس الثقافتين معا بطريقة مكملة لبعضهم البعض ... يؤخذ من كل منهما ما يؤخذ بوعي تام، بغض النظر عن محتواه.

المشكلة الأساسية تكمن في أن أغلب المدارس الدولية في مصر، تعتمد برامج منقصة حتي و إن كان ظاهرها يهدف إلي إضافة اللغة الثانية إلي العربية. و أفضل نقطة بداية لفهم دوافع أولياء الأمور عند إلحاق أبنائهم بها، هي تشريح المدارس الدولية المختلفة. ما سيساعدنا علي تحليل السياسات المختلفة التي تتبعها إداراتها بخصوص اللغة الثانية. فتلك المدارس لا تتساوي إطلاقا من حيث القيمة الإجتماعية و قيمة مصاريفها السنوية، بالرغم من وضعها اعتباطا تحت تصنيف "دولية". بل و ترتبط قيمتها في أغلب الأحيان، بعلاقتها باللغة العربية، بكل ما تمثله و تحمله من معاني.

فأكثر تلك المدارس إنقاصا في فلسفتها التعليمية، هي أعلاها مكانة و قيمة .. و لذلك تعرف بأنها مدارس إنترناشونال "بجد" ... أول علامة علي أحقيتها بتلك المكانة، هو كون مصاريفها بالعملة الصعبة، و هو ما تفسره حقيقة أن أغلب مدرسيها يكونون من الأجانب ذوي البشرة البيضاء و العيون الزرقاء. أغلب موادها تدرس باللغة الثانية، بينما لا يعطي فيها أي إهتمام لتدريس اللغة العربية أو "مواد الحكومة" علي الإطلاق، و هو إتجاه معروف في تعليم اللغة بالأحادي (monolingual) ... في هذا الإتجاه، تطغي اللغة الثانية تماما علي اللغة الأم، و بالتالي يتخرج منها طلبة يتقنون الإنجليزية كتابة و لهجة، بينما يصعب علي أغلبهم التعبير عن أنفسهم بالعربية، خاصة إن لم يعيرها الأهل إهتماما مباشرا لتقويتها. إنعدام الكفاءة اللغوية هذا يصل أحيانا إلي لغتهم العامية، التي تتحول إلي عامية "مكسره" لا يستطيع الشتات الأعظم من المصريين فهمها. و هي نتيجة طبيعية، بعد محاصرة الطالب بلغة و ثقافة، تختلف تماما عن ثقافة المجتمع الغالبة. و طبعا، لا تساعد فقاعات الانعزال في كومباوندات التجمع و سته أكتوبر علي خلق أي تفاعل حقيقي مع الحياة الطبيعية في الشارع، فينتهي به الحال، في صراع هوية داخلي، لأن كل علمه و قدواته من المدرسين لا يشبهونه، لا شكلا و لا موضوعا ... بل و ينظر إليهم كرموز للتحضر و التقدم، بكل ما يملكون من قيم و آراء و تاريخ. فيكبر ليتعلم أن الاستعمار ساهم في تحضرنا، و أن اللغة الثانية هي أحد علامات هذا التحضر. و لعل ذلك يبرر الرمزية الطبقية التي تصاحب الإلتحاق بتلك المدارس ... فهي ترتبط بالقدرة المادية من ناحية، و برمزية فوقية ينظر فيها إلي العامة ككيان مختلف، بكل ما يمثلونه من لغة و قيم و عادات من الناحية الاخري . ثم تتحول تلك الرمزية إلي مادة للتفاخر بين الأهل و الأبناء سواء، مما يشجع المدارس علي الاستمرار في تبنيها للبرامج المنقصة لغويا .

و بما أن قانون العرض و الطلب يتحكم في منظومة التعليم الخاص المصرية، فالنموذج الآخر من المدارس الدولية هو الأعم ... و يقل عادة تقييم المجتمع لهذا النموذج من المدارس، كلما زاد معدل المصريين العاملين بها، فتصبح أقل "نضافة" من غيرها. و طبعا، تساهم زيادة نسبة المدرسين المصريين في تقليل مصاريفها، بما أنهم يقبضون بالجنيه بدلا من الدولار ..

هنا تدرس اللغة العربية و الدراسات الإجتماعية و الدين، إلي جانب اللغة الثانية... و بناء عليه قد تبدو تلك المدارس لغير المدقق و كأنها تعمل علي إضافة اللغتين و الحفاظ علي جوانب مهمة من الهوية ... إلا أن الشيطان يكمن في التفاصيل، لأن إختلال موازين القوي بين اللغتين يتضح في جوانب التعامل فيها ... بداية تحصل المواد التي تدرس باللغة الثانية علي أغلب وقت الدراسة … و تغلب عليها قاعدة “All English , all the time” مما يحد من تشجيع الطلبة علي الفهم و تعلم اللغة، لتساهم في خلق مفهوما مغلوطا ... فالطالب الذي يتكلم الإنجليزية بطلاقة له اليد العليا في تلك البيئة، لأنه يملك المهارات و بالتالي المساحة للتعبير عن نفسه .. أما من يواجهون صعوبات، فيتكون حاجزا بينهم و بين اللغة. فمن ناحية، لا تخلق علاقة طبيعية معها، فيها مساحة لتقبل الأخطاء، لتنعدم الثقة و يتجنب معها الطلبة التفاعل مع اللغة من الأساس .. بالرغم من أن الطلبة سينجحون في توصيل تلك الفكرة، إن سمح لهم المزج بين اللغتين ... فتصبح المدرسة أداة تعيد إفراز بيئة شبيهة بتلك الحاضرة في المجتمع الخارجي، لتضع الطالب غير القادر عن التعبير باللغة الثانية في مرتبة أقل عن أقرانه، بدلا من تحديها و تغييرها.

يسيطر أيضا علي تلك المدارس تسلسل هرمي غير معلن، ينظر فيه إلي مدرسي العربي و الدين من قبل الطلبة و المدرسين سواء، علي أنهم أدني مستوي من غيرهم، و هو ما تعكسه مرتباتهم الأقل قيمة من نظرائهم المصريين من متحدثي الإنجليزية مثلا. هذا التسلسل لا يقف هنا، فالمدرسون المصريون يقعون جميعا تحت المدرسين الأجانب أصحاب جوازات السفر الأوروبية و الأمريكية، بغض النظر عن قدراتهم اللغوية. فهؤلاء يقبضون بالدولار و لهم دوما معاملة خاصة، بالرغم من أن أغلبهم فعليا يتحدث لغة واحدة، و مؤهلاتهم الدراسية تكون أحيانا ضعيفة، لدرجة أن بعضهم يحمل شهادة الثانوية فقط في جعبته ... هذا طبعا بجانب حقيقة أن محتوي المواد الأجنبي أجمل بصريا، و أكثر مرحا، و به أنشطة مختلفة تحفز التفكير بالمقارنة بنظيره المصري. فما هي الرسالة التي تصل لطلبة بالفطنة الكافية لإستنباط الحقائق من حولهم؟ فأي لغة و ثقافة لها اليد العليا في تلك المعادلة؟ ... ما هي القيم و الأفكار التي ستترتب علي إختلال موازين القوي ذلك في المدرسة؟ .. أي انحياز سيضمن للطالب الترقي و المال و "البرستيج"؟

حل تلك المعضلة، يتلزم إدراك واعي بكل جوانب العملية التعليمية منذ لحظة دخول الطلبة المدرسة حتي خروجهم منها، لكي تخلق علاقة متوازنة و مضيفة بين اللغتين. و تندرج تحت مظلة تلك الفلسفة العديد من البرامج ثنائية اللغة (bilingual) . سأتكلم هنا عن تقديري الشخصي لأفضلها و هي المدارس مزدوجة اللغة، التي يقسم فيها الوقت للتحدث بين اللغة الأم واللغة الثانية. قد تقسم بناء علي المواد (حساب بالإنجليزي و تاريخ بالعربي)، أو الأيام (الأحد بالإنجليزية و الخميس بالعربية)، أو المواضيع (تاريخ الثورة الفرنسية بالفرنسية، و ثورة ١٩١٩ بالعربية) ... و تحدده سياسة المدرسة طبقا لتقديراتها. في تلك المدارس تكون أغلبية المدرسين من أبناء جنس الطلبة ممن يجيدون اللغتين، إلا مدرسي مادة اللغة الثانية. طبعا، يتم هنا التنازل عن إعطاء الطلبة القدرة علي الرطن باللهجة "الأمريكاني"، في مقابل أن تكون نماذج المدرسين للطلبة شبيهة بهم و هي نظرية تسمي بالملائمة الثقافية (cultural relevance) ... الفكرة هنا هي أن تفاعل الطالبات مع ميس كورتني الكندية، التي شجعها أهلها علي الإنضمام لفريق رقص المدرسة في سن الرابعة عشر، و كانت علي علاقة كاملة مع حبيبها منذ أن كانت في السابعة عشر من العمر بعلم والديها سيكون أصعب كثيرا عليهم من التفاعل مع ميس فريدة، التي اضطرت للتعامل مع التحرش في شوارع القاهرة منذ أن بلغت سن الرابعة عشر، و مضت حياتها تناور واقع حياة تفرض فيه قيود مضنية عليها كسيدة. فمن منهن سيكون لها تأثير أعمق علي تشكيل شخصياتهن و مساعدتهم ليكن سيدات أقوياء مستقلات مدركات لطبيعة مجتمعهن و كيفية التعامل معه بذكاء؟ و بالطبع وجود ميس كورتني مهم، لأنه يساهم في "تفتيح الدماغ" و الانفتاح علي ثقافة الغير ... و لكن كم كورتني تتواجد في مبني المدرسة؟ و هل تعامل بنفس المعايير كزملائها المصريين؟

قرار إستخدام اللغة في تلك المدارس يقابل بتمعن شديد هو الآخر ... فبالرغم من وجود أوقات مخصصة للتحدث بلغة ما، إلا أنها ليست قاعدة جامدة. فقدرة المدرسين علي التحدث باللغتين تتيح لهم مزجهما عند الحاجة، لتوصيل المعني و لتوسيع القدرة اللغوية، و هي ممارسة مسماه بال "trans-languaging" بكل بساطة، رؤية الطالب لكلمتي "إستغلال" و "exploitation" علي السبورة، يساعده علي ربط المعنيين ببعضهما البعض، مستغلا قدرة عقله علي التنقل بين لغة و أخري، لاستيعاب المفاهيم بسرعة ... و عمق معادلة القوة بين اللغتين يصل في بعض المدارس إلي كتابة اللافتات المنتشرة في الأنحاء باللغتين، حتي لا يشعر الطلبة بسيطرة لغة علي الأخري .. و هكذا لا تتصارع الهويتان بل يوضعا في توافق و ندية .. لا توجد فيه واحدة أفضل، بل يصبح الإختيار مسألة شخصية في النهاية تتعلق بإنحيازات الطلبة و أولياء أمورهم الشخصية. دور المدرسة يتمحور في تلك المعادلة حول إتاحة اللغة الأم و اللغة الثانية كأدوات للتعرف علي كل جوانب الهوية التي تمثلها تلك اللغة .. و من ثم إتاحة القدرة علي تقييمها .. بأدبها، و فنها و مسلسلاتها .. بنظرياتها و قيمها و تقاليدها ...

عندما يتعلق الأمر بهوية المرء، لا توجد إجابة واحدة شافية .. لأن كل منا له تعريفه الخاص لكلمة مصري/ة، و بناء عليه نأخذ القرارات التي تناسبنا بخصوص تعليم أطفالنا أو تدريس طلبتنا اللغة الثانية. فشئنا أم أبينا، لا يمكن إنكار أن جزء أساسي من إهتمامنا باللغة الثانية، و الإنجليزية بالأخص، هو إتاحتها لبحر مهول من الفرص. فالإنجليزية هي اللغة الرسمية للتواصل مع بلاد العالم ... فبدونها يصعب مثلا السفر مع "الشغل" للخارج، أو مقابلة الوفد الأجنبي الزائر ... و بدون ذلك الاحتكاك يصبح مستحيلا الحصول علي ترقية، في شركة تتمحور أغلب علاقاتها في المناصب العليا علي التواصل مع الشركة الأم في الخارج .. أو حتي القدرة علي الاضطلاع علي آخر المستجدات في أي مجال، طب كان أو أدب .. إلا أن ميلنا لمزج الإنجليزية بدرجات متفاوتة في كلامنا اليومي ظاهرة تعكس أبعادا طبقية و ثقافية لا حصر لها .. فطوفان الأمهات التي تسمي الحذاء "شووز" بدلا من "جزمة" يتزايد يوما بعد الآخر. و كلمات مثل "أورريدي" (already) و "أبسولوتلي" (absolutely) أصبحت علي شفي الإنضمام للمعجم الوسيط. هناك أيضا قطاع مننا يحتوي كلامهم الدارج علي نسبة كبيرة من الإنجليزية .. لذلك يجب علينا في جميع الأحوال إدراك الإطار التربوي المؤثر علي تفاعلاتنا اللغوية اليومية، لتصبح تبعات إختياراتنا المتعلقة بكلامنا و قراءاتنا و مسلسلاتنا واضحة .. فسواء كان إختيارك أن تطلب من إبنتك أن تلبس "الشوز" أو "الجزمة" أو "الحذاء" ... أو إستخدام جميع الترجمات بالتبادل .. فهو في نهاية المطاف قرار شخصي و نسبي - يحتمل الصواب و يحتمل الخطأ ...

و لكنه بكل تأكيد أيضا قرارا فاعلا و منحازا!

المصادر

Apple, M. W. (2004). Ideology and curriculum. Routledge.

Au, W. (Ed.). (2009). Rethinking multicultural education: Teaching for racial and cultural justice. Rethinking Schools.

Baker, C. (2011). Foundations of bilingual education and bilingualism (Vol. 79). Multilingual matters.

Bartlett, L., & García, O. (2011). Additive schooling in subtractive times: Bilingual education and Dominican immigrant youth in the Heights. Vanderbilt University Press.

De Jong, E. J. (2011). Foundations for multilingualism in education: From principles to practice. Caslon Pub..